التربة في الوطن العربي
المقدمة :
تعتبر التربة من الظواهر الطبيعية ذات
التأثير المباشر على أشكال الحياة في مختلف أنحاء الأرض ، لأنها الوسط الذي تتفاعل
فيه الكائنات العضوية المسؤولة عن إعادة دورة المواد الغذائية العضوية و الغير
عضوية [1]
ففيها تعيش البكتيريا ، و النباتات الدقيقة ، و الحيوانات الدنيئة ، و اللافقارية
، و الفطريات و أعدادا لا حصر لها من الكائنات الحية ، التي تقوم بتحليل المواد
العضوية إلى عناصرها الأولية ، بصورة تجعلها في متناول النباتات ، كما بامتصاص
النيتروجين من هواء التربة ، و تحوله إلى نترات قابلة للذوبان في الماء يتغذى
عليها النبات[2] . و بالرغم من أن دراسة التربة من الموضوعات التي
تقوم أساسا على دراسات جيولوجية و فيزيائية و كيميائية و حياتية ، إلا أنها
ذات ارتباطات وثيقة بالدراسات الجغرافية ، حيث
لا يمكن تفسير علاقاتها التوزيعية
إلا بتحليل الظاهرات الجغرافية الأخرى ذات العلاقة في تكويناتها مثل أشكال
سطح الأرض ، و عناصر المناخ ، و الغطاءات النباتية الطبيعية ، فالتربة تكوين طبيعي
في تطور مستمر ، قد صنعتها البيئة بعمليات فيزيائية (
ميكانيكية ) و تفاعلات كيميائية و حياتية من الغلاف الصخري ، و الغلاف الغازي و المجال الحياتي للنبات و
الحيوان[3] ..
و بمعنى آخر إن التربة هي المحصلة النهائية
لتفاعل معقد بين مجموعة من العوامل المختلفة منها ، المواد الأولية ،و
الظروف المناخية ، و الغطاء النباتي
الطبيعي و الكائنات الحية ن و
الإنسان و التضاريس المحلية ، و التصريف
المائي ، و الفترة الزمنية التي تكونت في أثنائها . و يرى دوكوشيف أنها نتيجة
لتداخل خمسة عوامل رئيسية هي : [4].
1-الغلاف الجوي و المناخ ،
خاصة عناصر المطر و الحرارة و الأوكسجين و ثاني أكسيد الكربون .
2-المواد الصخرية الأصلية
التي تشتق منها التربة .
3-الكائنات العضوية النباتية و الحيوانية .
4-التضاريس و خاصة عامل
انحدار السطح .
5-الزمن أو عمر التربة .
أولا: عوامل تكوين التربة العربية .
ترتبط نشأة التربة ، و تباين خصائصها
الفيزيائية و الكيميائية و الحياتية المكتسبة في الوطن العربي بمجموعة من العوامل
أبرزها ما يلي :
1-الصخور الأصلية :
رغم أن تربة العالم العربي ليست على
تشكيلة واحدة ، و إنما تختلف من مكان إلى
آخر ، نظرا لتباين الصخور السطحية التي أمدتها بتكويناته الرئيسية على
اعتبار أن الصخور هي المنبع أو المنجم الأساسي الذي تصاغ منه خصائص التربة و
صفاتها
بفعل عوامل التعرية و
التجوية . لكن يمكن القول بأنها أتربة محلية موضعية .
2-عامل المناخ : يعتبر المناخ بعناصره
الأساسية (الحرارة ، الأمطار ، الرياح ، التبخر ) من أبرز العوامل فعالية في تكوين
و توزيع التربة لعلاقاته المباشرة في عملية التكوين و في فاعليته الأخرى
التي تسهم في التكوين ، مثل النبات و الحيوان و التعرية و التجوية ن فلكل عنصر من هذه
العناصر وظيفة أو وظائف يؤديها للترب ، و
تبرز آثاره فيها ، كتوفر المواد الأولية ،
و تنشيط عمليات التكوين الكيميائية و الفيزيائية و الحيوية ، و حفظ حرارة التربة ،
و توفير المياه فيها .
3-الكائنات الحية (النباتات و
الحيوان ): تعتبر أشكال الحياة النباتية و الحيوانية التي
تعيش في التربة أو على سطحها مصدرا من مصادر مكوناتها العضوية ، بالإضافة إلى تأثيرها غير المباشر و تحليل مكوناتها
الرئيسية . و تنقسم مجموعة النباتات في الامارات
من ناحية أثرها في تكوين التربة إلى قسمين هما :
-النباتات المرئية : مثل الحشائش و الأعشاب و الشجيرات و الأشجار.
-النباتات المجهرية : كالبكتيريا و الفطريات و الطحالب و الأشينات .
أما الحيوانات فهي أيضا
أنواع كثيرة منها ما هو مجهري غير مرئي يتغذى بالعضويات النباتية الموجودة في التربة ، و منها ما هو
مرئي يتغذى على غيره من الحيوانات كالديدان و البرتوزواو الحشرات و الرخويات ، أو
يتغذى على النباتات بأنواعها المختلفة ، و قد قدر أن الواحدة من التربة الزراعية
تحتوي على (567) مليون خلية بكتيرية ، (28) مليون كائن حي و جدر الخلية ، و (51)
مليون من الطحالب النباتية [5]
.
4- عوامل التعرية و التجوية : إن أبرز عوامل تكوين
ترب الوطن العربي ، عوامل التعرية (108)
بأشكالها المتعددة مثل الجريان السطحي ، و الرياح ، و الأمواج البحر و أمواج المد و الجزر . لكن بقدر ما
تتفاوت حدة فعاليته من مكان إلى آخر للأسباب الآتية:
-
نشاط
عامل التعرية و سرعته .
-
طبيعة
سطح الأرض الذي يتعرض إلى التعرية و مقدار انكشافه انحداره .
-
استجابة
تكوينات السطح للتعرية .
5-عامل الزمن : تتأثر خصائص البناء
البيولوجي لترب الوطن العربي مثل سمك
الطبقات و درجة نضوجها بالفترة الزمنية التي مرت تكون مفتتاتها من صخور التكوين
الأولى حتى مراحلها الراهنة [6]
مرورا بمراحل البناء الأخرى .إن ترب الوطن
العربي كما أظهرتها الدراسات التي أجريت
عليها حتى الآن تتميز بأنها تتكون من طبقات رسوبية ما زالت تحتفظ بخصائص مكوناتها
الأولية ، و يعني هذا أنها لم تمر بفترة
زمنية كافية استطاعت أن تغير من خصائصها
الكيماوية ، فهي مازالت في صراع مع العوامل البيولوجية .
ثانيا-الخصائص الطبيعية و
الكيميائية للتربة : إن خصائص ترب الوطن العربي ما هي إلا الناتج النهائي لتدخل
ثلاث عمليات رئيسية مع بعضها البعض تفاوتت أثارها من منطقة لأخرى هي :
1-مصادر التكوين الأولى
التي اشتقت منها التربة .
2-التفاعلات الكيماوية بفعل
عناصر المناخ و الكائنات العضوية الحية .
3-الزمن ، و يقصد به حجم
وامتداد العمليات التي تؤثر في التربة .
1-قوام التربة :
يقصد بقوام التربة ذلك
النسيج الذي تشكله مكوناتها المعدنية ، دون اعتبار إلى مصادر نشأتها أو تكويناتها
الكيميائية فالترب تتكون من جزيئات مختلفة
في قيمها الكمية ، و في أحجامها من مكان إلى آخر ، مما يترتب عليها اختلافات في
خصائصها الطبيعية تتخذ أساسها في التصنيف الترب إلى أنماط ورتب مثل الخشونة و
نعومة جزيئات النسيج و مدى تماسكها و لزوجتها ، و قابليتها للتشكيل .
2-سمك التربة :
يختلف
سمك قطاعات التربة من منطقة لأخرى تبعا
لتأثيرات عاملي النحت و الارساب ، فبينما يعمل العامل الثاني على البناء بالتعاون
مع عوامل التكوين الأخرى ، يعمل العامل الأول على إزالتها و تصفية ما بها من أملاح
و مواد ناعمة خاصة في الطبقات السطحية منها . و يلاحظ من قطاعات ترب الوطن العربي أنها تزداد سمكا في المراوح الفيضية و المناطق الحوضية عند حضيض الجبال ،
و المنخفضات الداخلية بين الكثبان الرملية
3-لون التربة :
تتميز ترب الوطن بتباين
ألوانها في المناطق المختلفة ، بسبب اختلافات مكوناتها المعدنية و العضوية ، و
درجة رطوبتها و مراحل تكوينها ، فعلى سبيل المثال تشاهد الألوان الفاتحة التي
تتأرجح ما بين اللون الأحمر و اللون الأصفر و اللون الرمادي المائل إلى البياض في
الكثبان الرملية ، و في السهل الساحلي ، لارتفاع نسبة أكسيد الحديد الأحمر ، و
أكسيد المنغنيز و الأملاح و الجير و الجبس و السيلكا ، بينما الألوان القاتمة التي
تتراوح ما بين اللون البني الفاتح اللون
البني الغامق تنتشر في السهول الساحلية الخليجية لارتفاع نسبة المواد
العضوية (الدوبال) نسبيا عند السطح ، في حين تتركز الأملاح المذابة و الجبس و
الجير في الطبقة السفلى . لذلك تعتبر تربة
هذه المناطق من أفضل الترب استخداما للزراعة ، بدلالة أنها التي اكتشفت في المنطقة
عرفت الاستقرار البشري الذي يعتمد على الزراعة منذ ثلاثة آلاف سنة (ق.م) .
4-خصوبة التربة :
تتفاوت ترب الوطن العربي في مناطقها الطبيعية المختلفة في
درجة خصوبتها و في كثافة غطاءاتها النباتية ، بمقدار ما تحتويه من المواد الغذائية
الأساسية اللازمة لنمو النباتات و
استقرارية مثل الأكسجين و الهيدروجين و الفوسفات و البوتاسيوم و الكالسيوم و
الصوديوم و المغنيسيوم و الكبريت و عناصر معدنية أخرى
ولكن هناك بعض المشكلات
منها :
1-فقر التربة بالمواد العضوية (الدوبال) أضعف من تماسك نسيجها الرملي
، و قدرتها على الاحتفاظ بالرطوبة اللازمة
لاذابة المواد الغذائية ، و نقلها
إلى النباتات.
2-تتراكم كربونات الكالسيوم بنسب متفاوتة ، وتتراوح بين 25%-45%تقل
كلما اتجهنا نحو الأعماق الداخلية . و توجد هذه ا لكربونات أحيانا على شكل عقد أو
كتل صلبة أولية ، أو على شكل قشرة محلية على السطح .
3-توفر نسبة معقول من المعادن
بعضها يسبب حرجا للتربة مثل الصوديوم و الكلور .
4-وفرة الأملاح القاعدية و الحمضية التي تحد من الصلاحية التربة في
التنمية الزراعية . خاصة في السبخات الساحلية و الشاطئ الضحلة و المنخفضات
الداخلية في الختم و الظفرة .
المراجع
:
2- على بدران ، العرب والمياه ، دار العلم ، حلب ، 2001م
[4]
- علي
البنا ، التربة و المشكلات استغلال الأراضي في المناطق الجافة ، حوليات كلية الآداب ، جامعة عين شمس ، 1974 ، ص183 .
[6]
- علي الغنيمي ، زياد قطب الإنسان و البيئة في دولة الامارات ،
المنطقة الشرقية لامارة أبو ظبي ، مؤسسة العين للتوزيع و النشر، العين ، ص 33.
إرسال تعليق